وبملاحظة النصوص الشرعيّة الواردة في القرآن الكريم وجدناها تنقسم إلى:
1- فئة استعملت فيها الكلمة إخبارا يشير إلى تشريع قد صدر بصيغته الخاصّة به، وليس بكلمة (أمر) أو أحد تصريفاتها، وهذه مثل:
- (واُمرتُ أن اُسلّم لربّ العالمين).
- (واُمرنا لنسلّم لربّ العالمين).
فإنّهما إخبار عن أمر قد صدر بصيغته الخاصّة به، وهي - واللَّه العالم – (أسلم) و (أسلموا).
2- فئة استعملت فيها الكلمة إنشاء يطلب به إصدار الأمر بصيغته الخاصّة به، وهذه مثل:
- (أمر أهلك بالصلاة).
أي - واللَّه العالم - قل لهم: (صلّوا).
فهذه ليست في صدد التشريع، فإذا حملت على الوجوب فلصدورها من المولى إلى العبد.
وتقدير نوعية الحكم في هاتين الفئتين من الأوامر يرتبط بالأمر الصادر بصيغته أو الأمر الذي سيصدر بصيغته أيضا، فإن كان ذلك واجبا كان هذا مثله، وان كان ندبا كان هذا ندبا.
3- فئة تستعمل فيها كلمة الأمر وسيلة تشريع، وهذه مثل قوله تعالى: (انّ اللَّه يأمُركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها).
ففي أمثال هذه يأتي التساؤل: هل هي للوجوب أو لغيره، أي انّها هي محور البحث عن دلالة مادّة الأمر.
هنا نقول: إنّ الأوامر إذا كانت طلبا لإيقاع الفعل فإنّها تقترن دائما بالجزاء.
ونوعية الجزاء هي التي تكشف لنا عن نوعية الأمر، هل هو على نحو الإلزام مع المنع من الترك، أو هو على نحو الإلزام لكن مع الترخيص بالترك.
فإن كان الجزاء ثوابا فقط فإنّ الأمر للندب، وإن كان الجزاء ثوابا على الفعل وعقابا على الترك فالأمر للوجوب.
وفي الآية الكريمة لأنّ الأمانة التي هي حقّ الغير، يعاقب المكلّف عند عدم ردّها لأهلها يكون الأمر فيها للوجوب.
وهذا الذي ذكرناه يقتضينا حمل دلالة الأمر على الطلب وهو القدر المشترك بين الوجوب والندب.
والجزاء هو قرينة التعيين.
هيئة الأمر:
ويقال لها صيغة الأمر وهو الاسم الذي اشتهرت به على ألسنة الاُصوليين.
وصيغة الكلمة: هيئتها الحاصلة من ترتيب حروفها وحركاتها، أو قل: هي الشكل اللفظي الذي تتقولب فيه المادّة، ذلك أنّ الكلمة تتألّف من عنصرين أساسيين هما:
- المادّة: وهي حروفها وحركاتها.
- الهيئة: وهي الشكل الذي تصاغ به.
والمادة والهيئة للكلمة كوجهي العملة النقدية، فلا تكون الكلمة كلمة إلا بهما معا متكاملين.
والاُصوليون عندما عنونوا بحوثهم في موضوع الأوامر بـ(مادّة الأمر) و (صيغة الأمر) لم يقصدوا المادّة والصيغة لكلمة واحدة، وإن كان كلامهم قد يوهم هذا، وإنّما أرادوا بمادّة الأمر مادّة كلمة أمر خاصّة، وهي الحروف التي تألّفت منها هذه الكلمة وهي ( أ م ر).
وليس مرادهم مادّة هيئة كلّ فعل أو كلّ عبارة تدلّ على الطلب الأمري.
وأرادوا بهيئة الأمر أو صيغة الأمر كلّ صيغة تفيد الطلب الأمري مع أيّة مادّة كانت (أ م ر) وغيرها من المواد المستعملة في اللغة وعند العرف.
وقد تناول بحثهم صيغة الأمر من جهتين، هما:
1- معاني صيغة الأمر المستعملة فيها في اللغة العربية.
2- المعنى الشرعي الذي تدلّ عليه الصيغة.
(هيئات الأمر):
ولأنّه ليس للأمر في اللغة العربية صيغة واحدة فقط، وإنّما فيها أكثر من صيغة يقتضينا منهج البحث أن نذكر صيغ الأمر على اختلافها في اللغة العربية كجهة ثالثة، وأن نبدأ بها أوّلا، وهي:
1- فعل الأمر:
نحو قوله تعالى: (إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جُنبا فاطهّروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامَسْتُم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا وجوهكم وأيديكم).
2- الفعل المضارع المقترن بلام الأمر:
كقوله سبحانه: (وإذا كُنتَ فيهم فأقمت لهم الصلاة فَلتَقُم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من وراءكم ولتأت طائفة اُخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم).
وقوله: (وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ).
3- اسم فعل الأمر:
مثل قوله عزّوجلّ: (قل هلمّ شهداءكم الذين يشهدون أنّ اللَّه حرّم هذا)، وقوله: (قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربّكم عليكم)، وقوله: (ياأيّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم).
4- الجملة الفعليّه المقصود بها الإنشاء:
كقوله تعالى: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة اركسوا فيها فان لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واُولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)، وقوله: (ولن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين سبيلا)، وقوله: (المطلّقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قُروء).
5- الجملة الاسميّة المقصود بها الإنشاء:
كقوله تعالى: (انّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).
6- المصدر النائب عن فعل الأمر:
نحو قوله عزّوجلّ: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضربَ الرقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فامّا مّنا بعدُ وامّا فداءً حتّى تضع الحرب أوزارها).
انّ هذه الصيغ الأمرية المستعملة في القرآن الكريم وأمثالها هي ذاتها المستعملة عند أهل اللغة العربية حال نزول القرآن الكريم وحتّى الآن.
وقد دأب الاُصوليون على إدراج هذه الصيغ تحت عنوان (صيغة إفعل) لأنّ صيغة إفعل أكثر شيوعا في الاستعمالات الاجتماعية ولأجل الاختصار أيضا.
وأضاف إليها بعضهم عبارة (وما في معناها) فكان عنوانه: (صيغة إفعل وما في معناها) - كما في (المعالم) لكي تشمل بقية الصيغ.
(معاني صيغة الأمر):
يراد بها المعاني التي وضعت لها صيغة الأمر، أو قل: المستعملة فيها استعمالا حقيقيّا.
وقد بلغ بها ابن النجّار الحنبلي في كتابه (شرح الكوكب المنير) خمسة وثلاثين معنى، ذكرها كاملة مع التمثيل لكلّ معنى.
من ذلك:
- الوجوب (أقيموا الصلاة).
- والندب (كاتبوهم).
- والامتنان (كلوا ممّا رزقناكم).
- والإكرام (ادخلوها بسلام).
- والتعجيز (فأتوا بسورة من مثله).
- الامتهان (كونوا قردةً خاسئين).. الخ.
وفي هذا الذي ذكر خلط واضح بين المعنى النحوي الصرفي والمعنى البلاغي.
ذلك أنّ الذي يبحث في دلالات الصيغ ومعانيها هو علم النحو بعامّة، وعلم الصرف بخاصة.
ويصطلح - لغويا - على المعاني الصرفيّة والاُخرى النحوية بالمعاني الأوّلية.
وهناك المعاني الثانوية، وهي المعاني البلاغية التي تدرس في علم المعاني، والتي يريدون بها الأغراض أو الغايات أو المقاصد التي من أجلها يقول المتكلّم كلامه وفق مقتضى الحال أو حسبما يتطلّب الموقف.
والفرق بين هذين النوعين من المعاني، أنّ المعنى النحوي الصرفي هو المعنى الحقيقي للصيغة، والمعاني البلاغية - بالنسبة إليه - معان مجازية.
ولصيغة الأمر - عند الصرفيين - معنى واحد هو الوجوب.
أمّا معانيها البلاغية أو المجازية فكثيرة، منها:
1- الإلتماس، كقولك لمساويك في الرتبة: (أعطني هذا الكتاب).
2- الدعاء، نحو (ربّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النّار).
3- التمنّي، كقول امرئ القيس:
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجل***** بصبح وما الإصباح منك بأمثل
4- التعجيز، كقوله تعالى: (فأتُوا بسورة من مثله).
5- التهديد، كقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم).
6- التحقير، كقوله تعالى: (كونوا حجارة أو حديدا).
7- التسوية، كقوله تعالى: (فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم).
8- الامتنان، كقوله تعالى: (فكلوا ممّا رزقكم اللَّه)(1).
والذي يهمّنا - هنا - معرفة معناها الشرعي، أو قل (تشخيص ظهورها).
ونبدأ هذا، بذكر الأقوال الاُصولية في المسألة:
- في كتاب (معالم الدين):صيغة أفعل وما في معناها حقيقة في الوجوب فقط بحسب اللغة على الأقوى وفاقا لجمهور الاُصوليين.
- وقال قوم: إنّها حقيقة في الندب فقط.
- وقيل في الطلب، وهو القدر المشترك بين الوجوب والندب.
- وقال علم الهدى(رحمه الله تعالى): إنّها مشتركة بين الوجوب والندب اشتراكا لفظيّا في اللغة، وأمّا في العرف الشرعي فهي حقيقة في الوجوب فقط.
- وتوقّف في ذلك قوم فلم يدروا أللوجوب هي أم للندب.
- وقيل: هي مشتركة بين ثلاثة أشياء: الوجوب والندب والإباحة.
- وقيل: للقدر المشترك بين هذه الثلاثة، وهو الأذن.
- وزعم قوم: أنّها مشتركة بين أربعة اُمور، وهي الثلاثة السابقة والتهديد.
- وقيل فيها أشياء اُخرى لكنّها شديدة الشذوذ، بيّنة الوهن، فلا جدوى في التعرّض لنقلها.
والمذكور في (الذريعة) للشريف المرتضى علم الهدى هو قوله بأنّ صيغة افعل مشتركة اشتراكا لفظيا بين الوجوب والإباحة، قال: اختلف الناس في صيغة الأمر:
- فذهب الفقهاء كلّهم أو أكثرهم وأكثر المتكلّمين إلى أنّ للأمر صيغة مفردة مختصة به، متى استعملت في غيره كانت مجازا، وهي قول القائل لمن هو دونه في الرتبة (إفعل).
- وذهب آخرون إلى أنّ هذه اللفظة مشتركة بين الأمر والإباحة، وهي حقيقة فيهما، ومع الإطلاق لا يفهم أحد منهما، وإنّما يفهم واحد دون صاحبه بدليل، وهو الصحيح.
والذي يدلّ عليه: أنّ هذه اللفظة مستعملة بلا خلاف في الأمر والإباحة في التخاطب والشعر والقرآن، قال اللَّه تعالى: (أقيموا الصلاة) وهو أمر، وقال سبحانه: (وإذا حَللتم فاصطادوا) وهو مبيح، وكذلك قوله تعالى: (فإذا قُضِيَت الصلاة فانتَشِروا في الأرض)، والانتشار مباح غير مأمور به، وظاهر الاستعمال يدلّ على الحقيقة.
ورأينا في مقال صاحب المعالم أنّ الجمهور يذهب إلى أنّ صيغة (إفعل) ظاهرة في الوجوب، وقوى (أعني صاحب المعالم) هذا الرأي.
استدلّ القائلون بظهور الصيغة في الوجوب بالأدلّة التالية:
1- الفهم العرفي:
قال في (المعالم): إنّا نقطع بأنّ السيّد إذا قال لعبده: (إفعل كذا) فلم يفعل عد عاصيا، وذمّه العقلاء، معلّلين حسن ذمّه بمجرد ترك الإمتثال، وهو معنى الوجوب.
وقال مغنية - وهو من القائلين بظهور الصيغة في الوجوب: كلّ الناس يفهمون ويعلمون أنّ البدوي إذا قال لولده (اعقل الناقة) فإنّه لا يرضى عنه إلا إذا صدع بالأمر، ونفس الشيء إذا قال الحضري لسائق سيارته (ضعها في المرآب)، ويرون الولد أو السائق عاصيا يستحق الذمّ إذا هو ترك وأهمل، ولا تنفعه المعذرة بأنّ صيغة افعل لوحدها بلا قرينة لا تدلّ على الإلزام والوجوب.
2- النصوص الشرعيّة، مثل:
(وإذا قيل لهم أركعوا لا يركعون).
فإنّه - سبحانه - ذمّهم على مخالفتهم للأمر، ولولا أنّه للوجوب لم يتوجّه الذمّ.
3- الإدراك العقلي:
يقول اُستاذنا المظفّر: والحقّ أنّها (يعني الصيغة) ظاهرة في الوجوب، وشأنها في ظهورها في الوجوب شأن مادّة الأمر من انّ الوجوب يستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى ووجوب الإنبعاث عن بعثه قضاءً لحقّ المولوية والعبوديّة، ما لم يرخّص نفس المولى بالترك ويأذن به، وبدون الترخيص فالأمر لو خلي وطبعه شأنه أن يكون من مصاديق حكم العقل بوجوب الطاعة.
هذه محصّلة ما ذكروه.
غير أنّ البحث في المسألة يفرض علينا الرجوع إلى النصوص الشرعية الأمرية، والوقوف على المعاني الشرعيّة التي استعملت فيها من قبل المشرّع نفسه.
وعند ذلك سوف نرى:
- انّ بعضها مستعمل في الوجوب.
- وبعضها مستعمل في الندب.
- وبعضها مستعمل في الإباحة.
وأن حملها على أي منها كان يستفاد من قرينة الجزاء الشرعي.
ولا أراني بحاجة إلى ذكر أمثلة لذلك لأنّ النصوص كلّها على هذا.
ومن هنا ندرك أنّ الصيغة غير المقترنة بما يعيّن المراد منها لا ظهور لها إلا في مطلق جواز الإتيان بالفعل.
وهذا يعني انّها للقدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة وهو الجواز.
ويتمّ تعيين أي واحد من هذه الثلاثة هو المراد شرعا، بقرينة الجزاء.
فما يكون الجزاء فيه ثوابا على الفعل وعقابا على الترك فهو الوجوب، ومايكون الجزاء فيه ثوابا على الفعل ولا عقاب على تركه فهو الندب.
وما لا جزاء على فعله ولا على تركه فهو الإباحة.
التطبيق:
بعد أن تبيّنا - نظريا - دلالة الأمر مستمدّين ذلك من التعاملات العرفيّة والاستعمالات الشرعيّة، ننتقل إلى دور التطبيق مجيبين على التساؤل التالي:
1- كيف يتعامل الفقيه مع المنقول الشرعي الأمري؟
الإجابة:
- إذا انتهى البحث الاُصولي بالفقيه إلى أنّ الأمر ظاهر في الوجوب، فإنّه سيتبّع الخطوات التالية:
أ- إذا كان الأمر غير مقترن بما يعيّن المراد منه، يحمل على الوجوب.
أي يستفيد منه الفقيه دلالته على الوجوب.
ب- وإذا كان الأمر مقترنا بما يدلّ على مراد الشارع المقدّس منه، يحمله الفقيه على ما دلّت عليه القرينة، أي يستفيد منه الحكم الذي صرفته إليه القرينة.
ج- إذا شكّ في دلالة الأمر، ويتأتّى هذا عندما يقترن الأمر بشيء يشكّ في أنّه قرينة أو غير قرينة.
هنا أيضا يحمله على الوجوب تطبيقا للقاعدة التي تقول: الأصل عدم القرينة.
وفحواها: أنّنا إذا شككنا في شيء أنّه قرينة أو ليس بقرينة نبني على انّه ليس بقرينة.
ومعنى هذا: أنّ النتيجة - بعد تطبيق هذه القاعدة - أنّ الأمر مجرّد من القرينة، والأمر المجرد من القرائن - حسب الرأي - ظاهر في الوجوب، فيحمل على الوجوب.
- إذا أسلم البحث الاُصولي الفقيه إلى أنّ الأمر ظاهر في الندب فإنّه سيتبّع الخطوات نفسها، ولكن بوضع الندب موضع الوجوب.
- وإذا أنهى البحث الاُصولي إلى أنّ الأمر مشترك بين الوجوب والندب، أو بينهما والإباحة.. والخ.
هنا لا يحمل الأمر على أي واحد منها إلا بعد التماس القرينة المعيّنة له.
ويتأتّى هذا في الاشتراكين اللفظي والمعنوي على حدٍّ سواء.
(الأمثلة):
1- الأمر غير المقترن:
عن الحلبي عن أبي عبداللَّه(عليه السلام): (من دخل بامرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن).
فجملة (هو ضامن) جملة إنشائية أمرية، أفاد الفقهاء منها وجوب الديّة على الزوج.
وعن الحلبي أيضا عن أبي عبداللَّه(عليه السلام): سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع عليها فأفضاها، قال (عليه السلام): (عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة).
فجملة (عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة) جملة إنشائية أمرية، أفاد الفقهاء منها وجوب النفقة على الزوجة مدّة حياتها.
وهذه الإفادة من الفقهاء قائمة على إحدى قاعدتين، هما:
1- قاعدة أنّ الأمر العاري عن القرينة يفيد الوجوب.
2- قاعدة أنّ الأمر المقترن بما يفيد الوجوب يحمل على الوجوب والأمر في الحديث الأوّل تطبيق لقاعدة وجوب الضمان عند حدوث العيب (لكلّ خدش أرش)(2) التي اُفيد وجوبها من نصوص اُخرى، فالتطبيق - هنا - هو قرينة الوجوب.
والأمر في الحديث الثاني مقترن بقوله (عليه) التي تفيد الإلزام الوجوبي حسبما يستفاد من استعمالاته في لسان الشرع.
3- الأمر المقترن:
أ- المقترن بما يفيد الوجوب.
قوله تعالى: (ياأيّها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى).
والقرينة - هنا - هي مادّة (كتب) حيث استعملت في الاُسلوب القرآني بمعنى (فرض) و (أوجب) إذا اُريد بها التشريع، كما في الآية (ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم)، فإنّها واضحة في إرادة الفرض والوجوب، وذلك من قوله تعالى (كتبنا).
ب- المقترن بما يفيد الندب:
عن الصادق عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: (تزوّجوا فإنّ رسول اللَّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أحبّ أن يتبّع سنّتي فإنّ من سنّتي التزويج).
والقرينة - هنا - هي عبارة (سنّتي) التي يراد بها الإستحباب، لأنّ السنّة - كما تقدّم في موضوع الحكم - ترادف الإستحباب والندب.
ج- المقترن بما يفيد الإباحة:
قوله تعالى: (أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد وأنتم حرم.. وإذا حللتم فاصطادوا).
القرينة - هنا - هي عبارة (وأنتم حرم) التي تفيد حظر الصيد وقت الإحرام، ولأنّ حكم الصيد المستفاد من النصوص الاُخرى هو الجواز والإباحة يكون الأمر (فاصطادوا) للإشعار بانتهاء مدّة التحريم ورجوع الإصطياد إلى حكمه السابق، وهو الإباحة. وهكذا.
الهوامش:
(1)- أنظر:
- مختصر النحو للمؤلف:أسلوب الأمر.
تلخيص البلاغة له أيضاً: الإنشاء.
(2)- الخدش: الجرحّ.
الأرش:الدية.