مع ذكرى #رحيل_النّور نستذكر #غذاءه
عندما تجتمع الذات مع من تحب سوف يجمعهما الله تعالى في رحابه ، فعنده جلّ جَلاله تكون الأرواح مُعلّقة بعزِّ قُدسه .
نستذكر مع ذكرى رحيل #الصّدر_الشهيد، استاذه الحاج عبد الزهراء حسين جواد الكرعاوي، التي تصادف ذكرى رحيله في الثالث من ذيّ القعدة أيضاً ( قدس الله أسرارهما ).
قد يخيلُ للفرد أنه مكتملٌ؛ حتى يعثر على الروحِ التي تكملُ روحه اكثر .هكذا كان البعض من المريدين يكملون ذواتهم عند "طبيب القلوب" الحاج الكرعاوي .
امثال هؤلاء ينمون بالنور ويتغذون منه ويعيشون به ، فيكونون غذاءاً للأرواح كي تكون مستبشرة ، يضحكون في وجه المصاعب والبلاءات .
لذا ينقل لنا محمد الباقر أحمد الياسري " أنّه كان الحاج عبد الزهراء الكرعاوي يجلس مع المؤمنين حتى الصباح، ودائماً بعد منتصف الليل يضع أناء فيه ماء قرب الشباك ولا يسمح لأحد أن يشرب منه ، وتستمر جلسته ، وفي الصباح، يدور على جلسائه ويسقيهم من ذلك الماء الذي يحتفظ به، ويقول: إشربوا هنيئاً مريئاً، ماء ممزوج بأنفاس المؤمنين " .
هكذا هم اولياء الله يبحثون عن النّور كي يعطونه للآخرين ( وَهَبْ لِي نُوراً أَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، وَأَهْتَدِي بِهِ فِي الظُّلُماتِ، وَأَسْتَضِيءُ بِهِ مِنَ الشَّكِّ وَالشُّبُهَـاتِ) .
ذلك الماء الذي كان الحاج يسقيه لجلسائه كي يعطي لهم النور لتقوية ايمانهم وزيادة معارفهم كما في الرواية( فيُعْطَوْنَ نُورَهم على قَدْرِ أعمالِهم ، فمنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ الجبلِ بينَ يَدَيْهِ ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه فوقَ ذلك ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ النخلةِ بيمينِهِ ، ومنهم مَن يُعْطَى دون ذلك بيمينِه ، حتى يكونَ آخِرُ مَن يُعْطَى نُورَه على إبهامِ قَدِمِه ، يُضِيءُ مَرَّةً ويُطْفِئُ مَرَّةً ، وإذا أضاء قَدَّمَ قَدَمَه ، وإذا طَفِئَ قام ).
وكان مرجعنا #الشهيد_الصّدر قد اعطى نورًا مثل الجبل يسعى بين يديه ، فلم يُتعب الحاج الكرعاوي معه الاّ بمقدار ما يزيل الفرد القشر عن البيض.
نعم كان #الحاج_الكرعاوي معبئ بذلك النّور الذي يستضيء به المؤمنون ، ويهتدون من خلاله الى الأعمال الصّالحة، فكان غذاء العلوم والمعارف المجرّدة عن المادة ، وكانت ارواحهم تفرح وتُسرّ به .
من مواعظ #الحاج_الكرعاوي كما ينقلها أحد المرافقين له (ح-س-الـ-ب) أنّه كان يُردّد هذا البيت من أشعار ابن الفارض :
أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ
فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي
وكان يقول الحاج ( الانسان من يحب يموت باليحبه ....كون يختار من يحب يسوه يموت بي)
بأعتبار (المحبّة) أرقى خواص وأوصاف الأولياء لهذا يؤكّدون عليها.
ويذكر الحاج مثل لذلك حينما كان ساكن في بغداد/ منطقة الكريعات وله محلّ معروف في الشورجة شارع الرشيد ... اذ يقول: ( دخل أحدهم في شارع الرشيد في بغداد ليشتري حذاء فأشترى الحذاء ولبسه ...وهو يمشي وينظر للحذاء كل لحظه ينظر للحذاء ....وعلى هذه الكيفية وهو مشغول بالحذاء جاءته سيارة وضربته ومات ، فماذا يقال عنه ...يقال عنه شهيد الحذاء) ثم ذكر بيت الشعر أعلاه .
وبتعبير #الشهيّد_الصدر (ان هذه الحياة ما دامت مختومة بالموت فليختار الفرد الموتة الشريفة التي تكون في رضا الله وعلو القدر في الدنيا والآخرة) .
بهذه المواعظ الطيّبة كان الحاج يؤثر على القلوب، لأن دولة الدُّنيا لا رسوخ لها ، ودولة الاولياء هي دولة القلوب راسخة وخالدة.
نعم كان #الحاج_الكرعاوي مرآة لأرواح مريديه ، يرون من خلالها كل شيء جميل، ويعشقون لطف الله وقهره، فيفرحون ويسرّون بالرخاء والبلاء ، حتّى المصائب يرونها من خلال تلك المرآة أنها " منحة من منح الله تعالى" بتعبير إمامنا الصادق (عليه السلام).
لذا يقول أمير المؤمنين (عليه السّلام)
صُحبة الولي اللبيب حياة الروح
ومجالسة الحكماء شفاء النفوس
والكلام عن هذه التجربة صعبٌ مستصعب ، فحاولت ان اكتب هذه الكلمات في ذكرى رحيلهما ؛ لأن أرواح الأولياء كالماء الزلال الصّافي ، هو طاهرٌ بذاته ومطهرٌ لغيره، وعسى ان يكون ذكرهما هنا تطهيراً لذواتنا، ودفع القبائح عنّا .
فالأولياء الإلهيون حصون الله المُحكمة ، لأنهم ضمن ولاية علي بن ابي طالب (عليه السلام) التي يقول الله تعالى عنها " أنّها حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي ".
نسأل الله تعالى
ان يسرّ نفوسنا بذكرهما
وأن يرزقنا شفاعتهما
والسير على نهجهما
الراجي رحمة ربّه
خادمكم
أسامة العتابي