إلى فقيه الرّاب:
ـــــــــــــــــــــــ
خرج علينا في الأيّام الأخيرة فقيه الرّاب بـ "تغريدات" نشرها، ظاناً أنّه بسطرين ـ فيهما ما فيهما من الأغلاط البلاغية وحتى اللغويّة ـ يستطيع أن ينسف تراث مرجع بحجم الشهيد السيد مُحمد الصدر (قدّس سرّه) وصِدقاً أقول إنَّ ما كتبه لا يستحق الرّد، لكن المشكلة ليس بهذا الذي لا يستطيع النظر إلى أكثر من طرف أنفه، وإنما بأولئك الإمعات الذين يُصدّقون حديثه ويتبعونه، وسلام الله على أمير المؤمنين حيث يقول: (ما غلبني مُعاوية ولكن حمقى القوم خذلوني)
وقد اطّلعت على ما كتب بخصوص موسوعة الإمام المهدي فلم أجد كلاماً علميّاً يمكن النقاش فيه إنما لا يرقى إلى مستوى ما يكتبه بعض شبابنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وأهم ما قاله:
(الكثير من مشايخ التيار الصدري فضلاً على أبناء التيار يعتبرون كل ما قاله السيد الصدر (قدس) غير قابل للمناقشة ويعتبرون كتبه لا تقبل المناقشة وخصوصاً الموسوعة لأن الكثير منهم يطبق بعض الأمور والأطروحات على فلان وفلان)..!!
وكما ترون فالرجل لم يُقدّم لنا دليلاً واحداً على وجود ضعف في الموسوعة سوى أن بعض الأشخاص (يطبقون بعض الأمور والأطروحات على فلان وفلان) ولا أدري ما علاقة السيد الشهيد ببعض متوسطي الثقافة الذين أنزلوا بعض ما قاله في الموسوعة على مصاديق خارجيّة..؟!
وهو إنما لجأ لمُحاكمة بعض البسطاء من أبناء التيار الصدري وأعتبر أن الموسوعة ضعيفة لأنهم يُفسرونها تفسيراً خاطئا لأن عقله أصغر بكثير من أن يناقش نصوص الموسوعة، خصوصاً في جزئها الرابع وما جاء فيه من ردود فلسفيّة على نظريتي الشيوعيّة والرأس ماليّة.
بهذه السطحيّة والسفه يريد فقيه الراب أن يحط من قدرِ سفرٍ علميٍّ قال فيه فليسوف العصر وأستاذ الفقهاء والمراجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدّس سرّه):
{فإننا بين يدي موسوعة جليلة في الإمام المهدي (عليه السلام) وضعها أحد أولادنا وتلامذتنا الأعزاء وهو العلامة البحّاثة السيد محمد الصدر ـ حفظه الله تعالى ـ وهي موسوعةٌ لم يسبق لها نظير في تاريخ التصنيف الشيعي حول المهدي (عليه السلام) في إحاطتها وشمولها لقضيّة الإمام المنتظر من كل جوانبها، وفيها من سعة الأفق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من النكات واللفتات ما يُعبّر عن الجهود الجليلة التي بذلها المؤلف في إنجاز هذه الموسوعة الفريدة...}.
إذن فهي موسوعة لم يسبق لها نظير في تاريخ التصنيف الشيعي، وفيها من سعة الأفق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من النكات واللفتات، هذا كله ومؤلفها في بداية العشرينات من عُمره، ولم يكن حينها يتصدّى للمرجعية بل كان أحد تلامذة الصدر الأول.
فما الذي قدّمه هذا الذي ينتقد الموسوعة للإسلام وللتشيّع سوى فتوى (الراب الحُسيني) تلك البدعة التي أخذت الشباب إلى عوالم مظلمة من الفساد والرذيلة والفسق والفجور، فالشاب بمُجرّد أن يكتب كلمة (راب) على محركات البحث في (جوجل) سيظهر له ما لا يُعد ولا يُحصى من الفيديوهات والصور لنساء عاريات يرقصن على إيقاع موسيقى صاخبة بجنون..!!
ثم هو يُقدّم دليلاً آخر على ضعف الموسوعة ـ بزعمه ـ مُستنداً إلى كلام للسيد الشهيد في لقاء أئمة الجُمعة جاء فيه:
{...حتى السيِّد محمَّد الصدر ليس بمعصومٍ ـ بطبيعة الحال - وإذا لم يكن معصوماً, فمن هذه الناحية قد يغفل، قد ينسى، قد يشطح, تأخذه بعض المصالح التي قد لا تَمُتُّ إلى الله بصلةٍ لا أقول الحرام والعياذ بالله...}
وهنا نقطتين:
1. لا أحد يقول أن السيد الشهيد معصوم بالعصمة الواجبة للأئمة (عليهم السلام) إنما الكلام في العصمة الثانوية، وهي قضيّة نسبيّة موجودة حتى في الطفل، فمثلاً الطفل بعمر خمسة سنين هل يأكل العَذَرَة؟ طبعاً لا، فما الذي يمنعه من ذلك غير علمه بقذارتها، وهذا أبسط أنواع العصمة.
2. قول سيدنا الشهيد (قد يغفل، قد ينسى، قد يشطح...إلخ) ليس معناه إنّه (قدّس سرّه) فعلاً هو يشطح أو تأخذه المصالح، فقد يخطئ وقد لا يخطئ وقد يُغلّب المصلحة الشخصيّة وقد لا يفعل.
ولذلك هو (قدّس سرّه) استخدم الحرف (قد) استخداماً بليغاً، فهذا الحرف إذا دخل على الفعل المضارع يفيد التقليل، أو التكثير، أما إذا دخل على الفعل الماضي فإنّه يفيد التحقيق والتقريب، ويبدو أن فقيه الراب، لا يفهم استخدامات الحرف (قد) فهو فهم منها التحقيق مع أنها دخلت على الفعل المضارع وأريد بها التقليل..!!
وعلى ذلك بنى وصفه للسيد بأنه (يشطح) والعياذ بالله، حاله في ذلك حالُ من أخذ هذا المقطع من دعاء كميل: (...اَللّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ خَطيئَة اَخْطَأتُها)
ففسّره بأن عليّاً كان يُذنب ويرتكب الخطايا بدليل ما جاء في الدعاء الذي علّمه لكميل بن زياد، مُتغافلاً إن الإمام إنما أراد به أن يُعلّم المذنبين فعلاً كيف يستغفرون ربهم، ولم يقل ما قاله لأنّه هو مذنب مُخطئ والعياذ بالله تعالى.
وهنا يظهر جليّاً أن فقيهَ الراب جاهلٌ حتى بمقاصد اللغة التي يَدرسها طلبة الحوزة في المقدمات، مع أنّه يدّعي المرجعيّة.
فالمسكين لم يُفرّق بين (قد) التي تستخدم للترجيح والأخرى التي تستخدم للتقليل، وللحق أنا أشفق عليه فهو جاهل ولا يعلم أنه جاهل، وهذه مشكلة حقيقةً بل هو مرض نسأل الله تعالى أن يشفيه منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عبد الجليل النداوي
حرر في زمن فقيه الراب، بتاريخ 5/ 5/ 2020
ملاحظة.. الصورة أسفل المقال لصفحة من مقدمة السيد الشهيد الأول على كتاب الموسوعة.