شهادة المختار (رض) في الرابع عشر من شهر رمضان
دامت فترة حكم المختار في الكوفة من الرابع عشر من ربيع الثاني سنة 66 هج الى الرابع عشر من شهر رمضان سنة 67 هج، أي ما يقارب 18 شهراً، وأجرى الله على يديه الإنتقام من قتلة الإمام الحسين ع وأبنائه وأصحابه، وخلال تلك الفترة كان الكثير من رؤساء القبائل الكوفية الذين اشتركوا بقتال الحسين ع قد فروا من الكوفة إلى البصرة واندمجوا بجيش مصعب بن الزبير الذي ولاه أخوه عبد الله بن الزبير على البصرة وطلب منه أن لا يبقي للمختار وأصحابه باقية في العراق، حقداً منه على علي وأبنائه وشيعته ع، والتقى جيش مصعب بن الزبير مع جيش المختار في الكوفة ودامت المواجهات أربعة أشهر، قُتِل فيها الآلاف من الطرفين وانتهت ببقاء المختار محاصراً في قصر الإمارة يقاتل مصعب بن الزبير بمن بقي معه من جيشه أشدَّ قتال، وأراد المختار من أصحابه أن يخرجوا - من القصر - إلى مصعب وأصحابه فيقاتِلوه، فأبوا عليه ذلك وفضَّلوا الحصار، فقال لهم: (إنّي خارج إليهم فمقاتلهم حتى أقتل، ولو قتلوني لم تزدادوا إلا ذلا وضعفا، ويستنزلونكم على حكمهم، فإذا نزلتم على حكمهم، دُفِع كلّ رجل منكم إلى رجل منهم ممّن قتلتم أباه وقريبه فيقتلونكم)، فلم يطيعوه، ولما لم يعد أمام المختار من خيار سوى الخروج من القصر لمقاتلة محاصريه، إغتسل وتحنط ثم وضع الطيب على رأسه ولحيته وخرج في تسعة عشر رجلاً للقتال، فقاتل حتى استُشهد (رضي الله عنه) في الرابع عشر من شهر رمضان 67هج وله من العمر سبع وستون سنة.
بعد قتل المختار قطعوا كفه وسُمِّرَت بمسمار إلى جانب المسجد، وقطع رأسه وأُرسل الى عبد الله بن الزبير في مكة، فأرجعه الى الكوفة وأمر مصعب بصلب رأسه على جدار مسجد الكوفة حتى حكم الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 75 هج فأمر بإنزاله ودفنه، ثم تآمر مصعب على أهل الكوفة فأعطاهم الأمان، فاستسلم خمسة آلاف من أصحاب المختار؛ أربعةُ آلاف من الموالي وألفٌ من عامة الناس من أهل الكوفة، وخرجوا إلى مصعب وأصحابه، وألقَوا سلاحَهم، فأمر مصعب بن الزبير لع بهم فكتّفوا، ثم غدر بهم وقتلهم بأجمعهم في أعظم غدرة ومجزرة في تأريخ الإسلام، وقد ارتكب مصعب بن الزبير تلك المجزرة بأوامر أخيه عبد الله بن الزبير، وبعد قتل المختار عَمَدَ مصعب إلى قتل زوجته عمرة إبنة النعمان بن بشير بعد أن أبت التبرأ من زوجها وشتمه، وقد دُفِن
المختار بجوار مسلم بن عقيل ع.
شهادة عَمرة بنت النعمان الأنصارية زوجة المختار
بعد مقتل المختار أرسل مصعب بن الزبير وأحضر عمرة بنت النعمان زوجة المختار وطلب منها أن تتبرأ من زوجها أمام الناس وتطعن في دينه، ولكن عمرة وقفت مواقف الاشراف الأباة، وهيهات أن تذل الحرة وتبيع عقيدتها، وأمر مصعب بقتلها لعلها تنهار أمام التهديد والخوف، واستعمل جميع وسائل الإغراء من بذل المال وأطماعها بالجاه وغير ذلك، لكنه وقف أمام عقيدتها الراسخة ووفائها لزوجها عاجزاً مقهوراً، ولما لم تنفعه الحيل أمر أن توضع ( عمرة بنت النعمان ) في حفرة وأمر السياف أن يقف على رأسها ووقف مصعب بجانبها يتوعدها تارة ويتهددها اخرى، لكن عمرة لم تكترث بالموت بل صرخت في وجوه الظالمين: ( كيف أتبرأ من رجل يقول ربّي الله؟ كان صائماً نهاره قائماً ليله، وقد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قَتَلَةِ ابن بنت رسول الله وأهله وشيعته، فأمكنه الله منهم حتى شفي النفوس، وما هي إلا شهادة أرزقها، أ فأتركها؟ كلا! إنّها موتة ثم الجنة والقدوم على الرسول وأهل بيته )، وحينما ابت عمرة الإنصياع لمصعب وراعه صمودها أمام السياف، أمر السياف فضربها ثلاث ضربات على رأسها حتى ماتت رحمها الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق