تعريف التشبيه
|
(التشبيه) لغة: هو التمثيل، يقال: (هذا مثل هذا وشبهه).
واصطلاحاً:
هو عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر وارادة اشتراكهما في صفة أو أكثر بإحدى أدوات
التشبيه لغرض يريده المتكلّم.
وفائدته:
أن الصفة المراد اثباتها للموصوف، إذا كانت في شيء آخر أظهر، جعل التشبيه بينهما
وسيلة لتوضيح الصفة، كما تقول: (زيد كالأسد) حيث تريد اثبات الشجاعة له، إذ هي
في (الاسد) أظهر.
|
أركان التشبيه
|
وأركان
التشبيه أربعة:
1 ـ المشبّه، كزيد.
2 ـ المشبّه به، كالأسد.
3 ـ وجه الشبه، كالشجاعة.
4 ـ أداة التشبيه ـ كالكاف ـ في قولك: (زيد كالأسد) وقد تحذف
هذه، كما في (زيد أسد).
ثم
ان الركنين الاوّلين: المشبّه والمشبّه به يسميّان بـ(طرفي التشبيه) أو (ركني
التشبيه).
|
طرفا التشبيه
وأقسامهما
|
وطرفا
التشبيه على أربعة أقسام:
1 ـ الحسّيان: بأن يكونا مدركين بالحواسّ الخمس الظاهرة التي
هي: (الباصرة، السامعة، الذائقة، اللامسة، الشامّة) نحو: (خدّك الورد ألّمته
الرياح...).
2 ـ العقليان: بأن لم يكونا مدركين بالحواس الخمس، بل أدركا
بالحواس الباطنية: وجدانيّاً كان، أم وهمياً، أم ذهنياً، نحو: (الجهل موت والعلم
حياة..).
3 ـ المشبه به عقلي والمشبه حسّي، نحو: (الطبيب الجهول موت
معجّل...).
4 ـ المشبه به حسّي والمشبه عقلي، نحو: (العلم كالنور يهدي كل
من طلبه...).
|
طرفا التشبيه إفراداً
وتركيباً
|
ينقسم
(التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة:
1 ـ تشبيه مفرد:
أ
ـ مطلقين كانا، نحو: (طالخدّ كالورد).
ب
ـ أم مقيّدين، نحو: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر).
ج
- أم مختلفين، نحو: (ريقه كالشهد المصفّى) أو (الشهد المصفّى مثل ريقه).
2 - تشبيه مركّب بمركّب، كقوله:
كان سهيلاً والنجوم
ورائه صفوف
صلاة قام فيها إمامها
3 - تشبيه مفرد بمركّب، كقولها:
أغرّ أبلج تأتمّ الــهداة
بـــه
كـــأنه علـــــم فــي رأسه نار
4 ـ تشبيه مركّب بمفرد، كقوله:
وأسنانه البيض فــي
فـمه تلوح
لدى الضحوك كالاقحوان
|
طرفا التشبيه إذا
تعدّدا
|
وينقسم
(التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة:
1 ـ التشبيه الملفوف: بأن يجتمع مشبّهان أو أكثر معاً، ومشبه
بهما أو أكثر معاً أيضاً، كقوله:
ليــــــل وبــــــــدر
وغصــــن
شعــــــر ووجـــــــه وقــــــــدّ
2 - التشبيه المفروق: بأن يجتمع كل مشبّه مع ما شبّه به، كقوله:
انما النفس كالزجاجة
والعلــ
ـــــــم سراج وحكمـة الله زيت
3 - تشبيه التسوية، بأن يتعدّد المشبّه دون المشبّه به، كقوله:
صــــــدغ الحبيـــب
وحـالي
كـــــــــلاهمــــــا كــــالليالــــــي
4 - تشبيه الجمع، بأن يتعدّد المشبه به دون المشبه، كقوله:
كأنمـــــا يبسم عـــن
لـؤلؤ
مـــــُنضّد أو بَــــــرَد أو اُقـــــاح
|
التشبيه باعتبار وجه
الشبّه
|
ينقسم
التشبيه باعتبار (وجه الشبه) الى ستة أقسام:
1 ـ تشبيه التمثيل، وهو ما كان وجه الشبه منتزعاً من متعدّد،
كقوله:
وما المرء إلا كالشهاب
وضوئه
يـــوافي تـــمام الشهر ثم يغيب
فشبّه
الانسان في أدواره بالقمر في أطواره: هلالاً، وبدراً، ومحاقاً، فسرعة الفناء هو
وجه الشبه المنتزع من أحوال القمر.
2 ـ تشبيه غير التمثيل، وهو ما لم يكن منتزعاً من متعدّد، نحو:
(زيد كالاسد) فوجه الشبه الشجاعة وهو لم ينتزع من متعدّد.
3 ـ التشبيه المفصل، وهو ما ذكر فيه وجه الشبه أو ملزومه،
كقوله:
يـــده كـــالسحب
جـــوداً
وإذا مــــا جـــاد أغـــرب
وكقوله
للكلام الفصيح: (هو كالعسل حلاوة) فإنّ وجه الشبه فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل
الطبع، لا الحلاوة الّتي هي ملزوم لوجه الشبه.
4 ـ التشبيه المجمل، وهو مالم يذكر فيه وجه الشبه ولا ما
يستلزمه، كقوله:
إنما الدنيا كبيت نسجته
الــعنكبوت
ولعمري عن قريب كلّ من فيها يموت
وكقوله:
(هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) أي: متساوون في الشرف.
5 ـ التشبيه القريب المبتذل، وهو ما كان وجه الشبه فيه واضحاً
لا يحتاج إلى فكر وتأمل، كتشبيه الجود بالمطر، إلا أن يتصرّف المتكلّم فيه بحيث
يخرجه عن الابتذال، كقوله:
لم تلق هذا الوجه شمس
نهارنا إلا
بــــوجه لـــيس فـــيه حــياء
فإنّ
تشبيه الوجه الحسن بالشمس مبتذل، إلا ان التصرّف فيه بإدخال الحياء أخرجه عن
الابتزال.
6 ـ التشبيه البعيد الغريب، وهو ما كان وجه الشبه فيه يحتاج إلى
فكر وتأمّل، كقوله:
والشمس كالمــرآة في يكف
الاشل تمشي
على السماء من غير وجل
فإن تموج النور حين طلوع الشمس وتشبيهه
بالمرآة في اليد المرتعشة التي تتموّج انعكاساتها، يحتاج إلى فكر وتأمّل.
|
أقسام تشبيه التمثيل
|
ثم
ان تشبيه التمثيل ينقسم إلى قسمين:
الاول:
ما كان ظاهر الاداة، كقوله تعالى: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها
كمثل الحمار يحمل أسفاراً)(1).
الثاني:
ما كان خفيّ الأداة، كقولك للمتحيّر: (أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى) إذ الاصل:
أراك في تردّدك، كمن يقدّم رجلاً، ثم يؤخّرها مرّة اُخرى.
وبما
ذكرناه من أصل المعنى ارتفع الإشكال، بأن المتحيّر لايؤخّر رجلاً أخرى، وانما
يؤخّر الرجل التي قدمّها، وظهرت الاداة المحذوفة وهي المكان الّتي اختفت في
اللّفظ.
|
موارد تشبيه التمثيل
|
لتشبيه
التمثيل موارد كالتالي:
1 ـ أن يأتي في مفتتح الكلام وصدر المقال، فيكون برهاناً
مصاحباً فيفيد ايحاء المعنى إلى النفس مؤيّداً بالبرهان، وهذا في القرآن كثير،
قال تعالى: (مثل الّذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتتْ سبع
سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة)(2).
2 ـ أن يأتي بعد تمام المعنى واستيفاء الكلام، فيكون برهاناً
عقيب الدعوى فيفيد اثباتها وتأكيدها، وهذا يكون لأحد أمرين:
أ
ـ أنّه يكون دليلاً على امكان الدعوى كقوله:
وما أنا منهم بالعيش
فيهم
ولـــكن مـعدن الذهب الرُّغامُ
ادعى
أنه مع اقامته فيهم ليس منهم، وهذا يبدو مستحيلاً عادةً، فاستدلّ له بهذا المثل
وهو: أنّ الذهب مقامه في التراب وهو غيره ليدفع به ما ظهر مستحيلاً.
ب
ـ أنّه يكون تأييداً للمعنى الثابت في الدعوى، كقوله:
ترجو النجاة ولم تسلك
مسالكها انّ
السفينة لا تــجري علــى اليُبس
|
أدوات التشبيه
|
أدوات
التشبيه ألفاظ تدل على المماثلة، وهي على أقسام:
1 ـ أن تكون حرفاً، كـ (الكاف) و(كانَّ).
2 ـ أن تكون اسماً، كـ (مثل) و(شبه).
3 ـ أن تكون فعلاً كـ (يحكي) و(يضاهى).
وهي
قد يلفظ بها، نحو: (زيد كالاسد).
وقد
لايلفظ بها، نحو: (أخلاقه ماء زلال...).
والغالب
في (الكاف) و(مثل) و(شبه) ونحوها، أن يليها المشبه به لفظاً نحو (زيد كالأسد) أو
تقديراً نحو قوله تعالى: (أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)(3) فإنه بتقدير: أو كمَثَل ذوي صيّب.
كما
أن الغالب في (كأنّ) و(شابه) و(ماثل) ونحوها، أن يليها المشبّه، نحو قوله: (كأنّ
زيد أسد).
|
التشبيه باعتبار أداته
|
وينقسم
(التشبيه) باعتبار أداته إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التشبيه المرسل، وهو ما ذكرت فيه الاداة، وتسميته بالمرسل،
لإرساله عن التأكيد، نحو:
ألا إنما الدنيا كمنزل
راكــــب
أناخ عشيّاً وهو في الصبح يرحل
2 ـ التشبيه المؤكّد، وهو ما حذفت منه أداة التشبيه، كقوله:
إنــما الدنيا أبو
دلف بـين
باديه ومحتضره
فــــإذا ولّى أبو
دلف ولّت
الدنيا علـى أثره
ويسمى
(مؤكّداً) لإيهامه أن المشّبه عين المشبّه به.
3 ـ التشبيه البليغ، وهو ما حذف فيه أداة التشبيه ووجه الشبه،
ويسمّى بليغاً، لبلوغه نهاية الحسن والقبول، لقوّة المبالغة في التشبيه، حتى يظن
أن المشبه هو المشبه به، كقوله:
فاقضوا مآربكم عجالاً
انما أعماركم
سفر من الاسفار
|
فوائد التشبيه
|
للتشبيه
فوائد تعود في الأغلب إلى المشبّه وهي:
1 ـ بيان حال المشبّه وأنّه على أيّ وصف من الاوصاف، كقوله:
اذا قامـت لحاجتها
تثنت كأن
عظامها من خَيزُران
وهذا
القسم يكثر في العلوم، لإفادة حال المشبّه وبيانه.
2 ـ بيان امكان حال المشبّه، إذا أسند اليه أمر مستغرب، لاتزول
غرابته الاّ بالتشبيه واثبات أن مثله واقع، كقوله:
انقلاب القوم بعد
المصطفى
مــثل هـــود قلّبوا بعد الكلم
3 ـ بيان مقدار حال المشبّه في القوّة والضعف، والزيادة
والنقصان، كقوله:
كأنّ مشيتها مـــن بيت
جارتها
مــرُّ السحائب لاريث ولا عجل
4 ـ تقرير حال المشبّه وتقوية شأنه لدى السامع حتّى يهتمّ به،
كقوله:
إن القـــلوب إذا تنافــر
وُدُّهــا
مــثل الــزجاجة كسرها لايّجبر
5 ـ بيان امكان وجود المشبّه، إذا بدى في نظر السامع مستحيلاً،
كقوله:
حـــنين الـجذع عند فراق
طه كــما
يــتكلّم الشجـــر الــــــكليم
6 ـ قصد مدح المشبّه بما يزيّنه ويعظمه لدى السامع، كقوله:
كأنّك شمس والملوك
كواكب إذا
طلعت لــم يبد منهنّ كــوكب
7 ـ قصد ذمّ المشبّه بما يقبّحه ويحقّره، كقوله:
وإذا أشار مـــحدّثاً
فـــكأنــّه
قــــرد يقهقـــه أو عـجوز تلطـم
8 ـ بيان طرافة المسبّه بما هو طريف غير مألوف للذهن، كقوله:
وكأنّ محمّر الشقيق إذا تصوّب أو
تصعّد أعلام
ياقوت نشرن على رماح زبرجد
|
التشبيه باعتبار الغرض
|
ينقسم
(التشبيه) باعتبار الغرض المقصود منه، الى قسمين:
1 ـ مقبول، يفي بالغرض المقصود، كما في الامثلة السابقة.
2 ـ مردود، لا يفي ببه، وذلك فيما اذا كان المشبّه به أخفى من
المشبّه في وجه الشبه، أو لم يكن بينهما شبه، كقوله (كان خورنقاً دار
الكشاجم...).
|
من تقسيمات التشبيه
|
ثم
إنه ينقسم (التشبيه) باعتبار تعارفه وعدم تعارفه إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التشبيه الصريح، وهو ما تقدّم من التشبيه المتعارف، مما ليس
بضمني ولا مقلوب.
2 ـ التشبيه الضمي، بأن لايجري فيه المشبّه والمشبه به على ما
تعارف من صور التشبيه الصريح، وذلك، كقوله:
من يهن يسهل الهوان
عليه مــا
لجـــرحٍ بميّت أيــلامُ
فأنّ
فيه اشارة الى التشبيه، بمعنى: أنه كما لا يتألّم الميت بالجرح، لا يتألّم من
اعتاد الهوان بالهوان، فهو تشبيه على غير المتعارف.
3 ـ التشبيه المعكوس، ويسمّى بالتشبيه المقلوب وهو ما يجعل
المشبّه مشبّهاً به، لادعّاء أن المشبه أتمّ وأظهر من المشبّه به، كقول البحتري
في وصف البركة:
كأنّها حين لجّت في
تدفّقها يد
الخليفة لما سال واديها
ايهاماً
الى أنّ يد الخليفة أقوى تدفّقاً بالعطاء من البركة بالماء.
|
السبت، 29 نوفمبر 2014
علم البيان تعريف التشبيه
خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام بعد أن اغتصب أبو بكر منها فدك
الخطبة الفدكية
| |
روى عبد الله بن الحسن عليه السلام بإسناده عن آبائه عليهم السلام أنه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة عليها السلام فدك، وبلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدته ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة، فجلست، ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء. فارتجّ المجلس. ثم أمهلت هنيةً حتى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام:
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنّى بالندب إلى أمثالها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته. ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريته، وإعزازاً لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادةً لعباده عن نقمته، وحياشة منه إلى جنته، وأشهد أن أبي محمد صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتبله، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور ابتعثه الله تعالى إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنقاذاً لمقادير حتمه. فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانه، فأنار الله محمدٍ صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم. ثم قبضه الله إليه رأفة واختيار، ورغبة وإيثار بمحمدٍ صلى الله عليه وآله عن تعب هذه الدار في راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه وأمينه على الوحي، وصفيه وخيرته من الخلق ورضيّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحــــيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبــــلغاؤه إلى الأمم، وزعمتم حــــق لكم لله فيكم، عهد قدّمه إليكم، وبقية استخلفها عليكمن كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائد إلى الرضوان اتّباعه، مؤدٍ إلى النجاة إسماعه، به تُنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذّرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة. فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون سورة آل عمران: 102 وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ سورة فاطر: 28 ثم قالت: أيها الناس اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد صلى الله عليه وآله، أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ سورة التوبة: 128 فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزيّ إليه صلى الله عليه وآله. فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكت الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرّى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقائق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفُهتم بكلمة الإخلاصفي نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذله خاسئين تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ سورة الأنفال: 26 فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ سورة المائدة: 64 أو نجم قرن للشيطان، وفغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فــــلا ينكفئ حتى يطأ صــــماخها بأخمصه، ويُخمد لهبها بسيفه،مكدوداً في ذات الله، ومجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله سيداً في أولياء الله، مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون عند القتال. فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه، هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين. ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً وأحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمكم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ سورة التوبة: 49 هيهات منكم!وكيف بكم؟ وأنّى تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلاً وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ سورة آل عمران: 85 ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهماد سنن النبي الصفي، تُسرّون حسواً في ارتغاءٍ، وتمشون لأهله وولده في الخَمَر والضراء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون ألا إرث لنا أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ سورة المائدة: 50 أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته. أيها المسلمون أأُغلب علـــى إرثيه يا ابن أبـــي قحافة أفي كـــتاب الله أن ترث أبـــــاك، ولا أرث أبي؟ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّاً سورة مريم: 27 أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ سورة النمل: 16 وقال فيما اقتص من خبر يحيي بن زكريا عليهما السلام إذ قال : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا, يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّاً سورة مريم: 5و6 وقال: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ سورة الأحزاب: 6 وقال: يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ سورة النساء: 11 وقال: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ سورة البقرة: 180 وزعمتم ألا حظوة لي، ولا إرث من أبي لا رحم بيننا! أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟! أم هل تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان؟! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ سورةالأنعام: 67 فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ سورة هود: 39 ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معاشر الفتية، وأعضاد الملة وأنصار الإسلام ما هذه الغميزة في حقي؟ والسّنة عن ظلامتي أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله أبي يقول: المرء يُحفظ في ولده ؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة، ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله؟ فخطب جليل استوسع وهيه، واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، واندثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال ،وخشعت الجبال، وأُضيع الحريم وأزيلت الحرمة عند مماته فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم هتافاً وصراخاً وتلاوة وإلحاناً، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ سورة آل عمران: 144 أيهاً بني قيلة! أأُهضم تراث أبِيَه،وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدى ومجمع؟! تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة التي انتجبت، والخيرة التي اختيرت! قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى اذا دارت بنا رحى الإسلام ودرّ حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنّى حرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلام، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان؟ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ سورة التوبة: 13 ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ سورة إبراهيم: 8 ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني الخذلـــــة التي خامرتكم، والغدرة الــــتي ستشعرتــــها قلوبكم ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثة الصدور، وتقدمة الحجة. فدونكموها فاحتقبوها، دبرة الظهر ،نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة بنَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ , الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ سورة الهمزة: 6 و7 فبعين الله ما تفعلون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ سورة الشعراء: 227 وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ, وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ سورة هود: 121 و122 |
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)