مدونات القواعد الفقهية في المذاهب الأربعة
إن القواعد بدأت
بالظهور في القرن الثاني الهجري، وكانت على قسمين "أصولية، وقواعد فقهية،
المذهب الحنفي:
1- أصول أبو الحسن الكرخي الحنفي (340هـ)، وهو أول كتاب فيه
تدوين للقواعد الفقهية، وحوى كتابه على 39 أصلاً، وهي خاصة بالمذهب الحنفي وربما اشترك
معه فيها غيره، ولكن الكرخي إنما أوردها تأصيلاً لمذهبه، وقد مثل لهذه الأصول نجم الدين
أبو حفص النسفي ومن أمثلتها قول الكرخي: «الأصل أن ما ثبت بيقين لايزول بالشك»....«الأصل
أن الظاهر يدفع الاستحقاق، ولايوجب الاستحقاق»
2- تأسيس النظائر لأبي الليث السمرقندي (373هـ) ، وقد ذكر
فيه (74) أصلاً، وذكر فيه خلاف الإمام ابي حنيفة مع صاحبيه، والخلاف بين الصاحبين،
، وخلاف الثلاثة مع مالك، والخلاف مع زفر، والخلاف مع ابن أبي ليلى والخلاف مع الشافعي،
ويذكر مع هذه الأصول التي يذكرها فروعاً فقهية، ومن أمثلتها: «الأصل عند محمد أن البقاء
على الشيء يجوز أن يعطى حكم الابتداء، وعند أبي يوسف لا يعطى حكم الابتداء في بعض المواضع،
وعلى هذا مسائل منها: أن الرجل إذا تطيب قبل الإحرام وبقي رائحته بعد الإحرام كره عند
محمد، وجعل البقاء عليه كالابتداء، وعند أبي يوسف لايكره».
3- تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي(430هـ)، وهو منقول عن كتاب أبي الليث السمرقندي،
سوى زيادة قليلة.
4- الأشباه والنظائر لزين الدين ابن نجيم(970هـ)، وقد ألفه
على غرار الأشباه والنظائر لابن السبكي، ويظهر أن علماء الحنفية اهتموا بهذا الكتاب
، حيث جرى عليه خمس وعشرون كتاباً ما بين شرح له، أو استدراك عليه.
5- مجلة الأحكام العدلية، تأليف لجنة من علماء الحنفية إبان
الدولة العثمانية، وقد وضعت على غرار القوانين الوضعية من حيث المواد، إلا انها وفق
المذهب الحنفي، وهي خاصة بالمعاملات، وقد صُدِّرت المجلة بـ«99» قاعدة فقهية، من القواعد
التي ذكرها علماء الحنفية، تم اختيارها من الأشباه والنظائر لابن نجيم، ومن خاتمة مجامع
الحقائق للخادمي.
وقد جرى عليها عدة شروح منها: درر الحكام شرح مجلة الأحكام
لعلي حيدر، وشرح المجلة لخالد الأتاسي، وشرح رستم سليم الباز، وغيرهم، كما شرح قواعدها
الشيخ أحمد الزرقاء في كتابه شرح القواعد الفقهية.
المذهب المالكي:
1- أصول الفتيا، لمحمد بن حارث الخشني (361هـ)، وقد ذكر فيه
أصولا كثيرة، قد تعتبر ضوابط كما حوى فوائد فقهية، وقد انتقى مسائل يبين فيه المذهب،
وقيل انه أول كتاب احتوى على أصول المالكية، وهو يجمع المسائل ذات الموضوع الواحد على
خلاف طريقة كتب الفقه النصية، فيقول مثلاً: «باب الأثلاث» ثم يورد ما تحته من المسائل،
ويقول «أحكام الصبي» ثم يورد المسائل تحته....
2- الفروق(أنوار
البروق في أنواء الفروق)، لأبي العباس القرافي الصنهاجي، وهذا الكتاب هو في بيان الفروق
بين القواعد الفقهية، وليس بين المسائل الفقهية، وقد ألفه بعد كتابه الشهير«الذخيرة»،
حيث جمع القواعد التي في الذخيرة وزاد عليها ورتبها، وقارن بينها، وقد جاء كتابه الفروق
في «548» قاعدة على اصطلاحه وإن لم تكن قواعد عند آخرين، حيث يقول مثلا: الفرق بين
قاعدة القرض والبيع، ..الفرق بين قاعدة الصلح وغيره من العقود، وأما القواعد الفقهية
على الاصطلاح اليوم فقد أوردها متناثرة في الكتاب، وذلك عند تعليله للأحكام، كما أن
ما أورده لم يكن على نظام واضح يمكن للقاريء أن يصل إلى بغيته بسهولة بل يحتاج هذا
إلى جهد ومشقة، لذا قام الشيخ محمد البقوري(707هـ) بترتيبه واختصاره، فكان أن جلّى
قيمة كتاب الفروق، وعمم نفعه.
3-القواعد لمحمد بن محمد المقَّري(758هـ)، قال الدكتور/ علي
الندوي: «يعتبر هذا الكتاب من أقوم ما ألف في قواعد المذهب المالكي، ولعله أوسع كتب
القواعد عند المالكية، وبحث فيه مسلك الإمام مالك وأصحابه مع الموازنة بمذهبي الحنفية
والشافعية في كثير من القواعد ومسائلها، مع التعرض أحيانا لقول الحنابلة»، ولكن هذا
الكتاب ومع جلالة قدره إلا أن في بعض قواعده غموض، لذا قال الونشريسي: «كتاب غزير العلم،
كثير الفوائد، لم يسبق إلى مثله، بيد أنه يفتقر إلى عالم فتاح»، وقال الدكتور يعقوب
الباحسينإنه أساس كتب القواعد الفقهية عند المالكية.
4- إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، لأحمد بن يحي الونشريسي(914هـ)،
يتضمن الكتاب«118» قاعدة، والقواعد التي أوردها قواعد في مذهب المالكية، ويورد القاعدة
ثم يذكر الفروع التي تندرج تحتها، وقد أخذ عليه إغفاله ذكر عدد من القواعد المهمة كقاعدة
«الأمور بمقاصدها»، و«العادة محكمة» و«الضرر يزال»....
المذهب الشافعي:
1- قواعد الأحكام
في مصالح الأنام لعز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام(660هـ)، والكتاب جله يتعلق بقاعدة:
جلب المصالح ودرء المفاسد، وقد حوى مع ذلك على عدد من القواعد الفقهية مبثوثة في ثنايا
الكتاب.
2- الأشباه
والنظائر لصدر الدين ابن الوكيل(716هـ)، وهو أول كتاب في الفقه بهذا الاسم قال عنه
ابن تغري بردي: انه لم يسبقه إليه أحد.، والكتاب
مع أنه خاص بالقواعد الفقهية إلا أنه يتضمن عددا من القواعد الأصولية أيضاً، كما أن
الكتاب ليس له ترتيب واضح في ذكر القواعد والمسائل وقال الدكتور أحمد العنقري محقق
الكتاب: إن ابن الوكيل لم ينقل عن غيره في نفس الفن، وإنما كان عمله استقراءاً ذاتيا،
وذكر أيضاً أن هذا الكتاب هو الباعث لتأليف عدد من المؤلفات التي جاءت بعده في هذا
الفن.
3- المجموع المذهب
في قواعد المذهب للعلائي(761هـ).، وهذا الكتاب يجمع بين القواعد الفقهية والأصولية،
وقد أطال في شرح القواعد الخمس الكبرى، وقد تميز بإيراد الأدلة من الكتاب والسنة لهذه
القواعد.
4- الأشباه والنظائر
لتاج الدين عبدالوهاب بن السبكي(771هـ)، وأراد
مؤلفه أن يحرر كتاب ابن الوكيل وزاد فيه فيه بعض القواعد، وابتدأ كتابه بالقواعد الخمس
الكبرى، ثم القواعد الأقل اتساعاً، ثم ذكر جملة من الضوابط، ثم ذكر عددا من القواعد
الأصولية، ثم ذكر جملة من الكلمات العربية والنحوية التي تتخرج عليها فروع فقهية.
5- المنثور في
ترتيب القواعد الفقهية لمحمد بن بهادرالزركشي(794هـ)، عده بعضهم من أجمع الكتب في مجال
القواعد، وقد رتب القواعد على حروف الهجاء، وقد حوى الكتاب أكثر من (100) قاعدة، واكثر
القواعد التي ذكرها من القواعد المنتشرة عند أهل الفن.
6- الأشباه والنظائر
للسيوطي(911هـ)، وهو من أشهر كتب القواعد ليس على مستوى مذهب الشافعية وإنما على جميع
المذاهب الفقهية، فقد أحسن السيوطي رحمه الله ترتيبه وتنسيقه، كما أنه غزير المادة
العلمية، وقد جمع فيه ما تقدمه من كتب الشافعية في علم القواعد الفقهية، وقد ابتدأ
كتابه بشرح القواعد الخمس الكبرى واسهب فيها، ثم القواعد الأقل سعة، وهي «40» قاعدة،
ثم ذكر القواعد المختلف فيها....، وقد احتفل الشافعية بهذا الكتاب، ودار في فلكه عدة
كتب.
المذهب الحنبلي:
وهو من أقل المذاهب من حيث كتب القواعد الفقهية، ومن كتب
الحنابلة في هذا المجال:
1- القواعد النورانية،
لشيخ الإسلام ابن تيمية(728هـ)، وفي الحقيقة هو كتاب فقهي بحت، إلا أنه يحوي العديد
من القواعد الفقهية، فهو يعنى بتأصيل ما يذهب اليه، كما أنه يقعد خلالها القواعد الفقهية
لما يكتب فيه، وهذه طريقة شيخ الإسلام رحمه الله، فلا يورد مسألة إلا ويدلل عليها ويقعد
لها.
2- القواعد الفقهية
لأحمد بن الحسن (ابن قاضي الجبل) (771هـ)، والكتاب عبارة عن نتف فقهية تتضمن بعض القواعد
الفقهية، وهو ليس كتاب في القواعد الفقهية، بالمعنى المعروف اليوم، وإنما يتكلم عن
مسائل فقهية، يورد خلالها بعضا من القواعد، وقد طبع القدر الموجود منه أخيرا سنة
1431هـ
3- قواعد ابن
رجب والمسمى «تقرير القواعد وتحرير الفوائد»، لزين الدين عبدالرحمن بن رجب (795هـ).
وهو من الكتب النفيسة في المذهب، ومن عجائب الكتب، لما أودعه فيه من المسائل، وقد تضمن
كتابه «160» قاعدة، وتتميز ألفاظ قواعده بطول العبارة، وقد قام الشيخ عبدالرحمن السعدي
بتجريد هذه القواعد بكتاب أسماه«تحفة أهل الطلب بتجريد قواعد ابن رجب»، ثم شرحها الدكتور
عبدالكريم اللاحم.
4- القواعد
الكلية والضوابط الفقهية ليوسف بن حسن بن عبد الهادي(ابن المبرد)(909هـ) وهو رسالة
تتضمن فوائد فقهية، وفي الغالب ما يكون لها تعداد، اذ يقول: «أحوال المستحاضة...شروط
وجوب الصلاة...أقسام الصلوات»، وفي آخر رسالته ذكر نزرا من القواعد، كقاعدة «اليقين
لايزول بالشك»، و«من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه»، ولم يشرحها، وإنما ذكر لها
بعض الأمثلة.
وفي هذا العصر قام عدد من طلاب جامعة أم القرى باستخراج القواعد
الفقهية من عدد من كتب المذهب وغيره، كالمغني، وكشاف القناع، وكذلك من كتب شيخ الإسلام
ابن تيمية، وابن القيم وغيرها.
أنواع كتب القواعد الفقهية
المستعرض لكتب القواعد
الفقهية يجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: كتب جمع فيها
مؤلفوها القواعد الفقهية، فأفردوها بالذكر والتوضيح والتفريع، كما ذكروا الضوابط، ومثلوا
لها، وذكروا الفروق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية والقاعدة اللغوية، ومن هذه
الكتب: الكتب التي تحمل اسم " الأشباه والنظائر ".
الثاني: كتب تحمل اسم
القواعد، ولكن مؤلفيها لم يفرقوا بين القواعد والضوابط والفوائد، وكذلك أدرجوا قواعد
أصولية ولغوية، وتقسيمات فقهية عامة، ومن هذه الكتب: قواعد ابن رجب الحنبلي، وإيضاح
المسالك للوَنْشَرِيْسي المالكي، والفروق للقَرَافي المالكي.
الثالث: كتب نسبت لعلم
القواعد الفقهية، لأنها تحمل اسم القواعد، أو لأنها تشتمل على قواعد لكن غير فقهية،
ومن هذه الكتب: التمهيد في تخريح الفروع على الأصول للإسنوي الشافعي، والقوانين الفقهية
لابن جُزَي المالكي. فكتاب الإسنوي: هو في قواعد الأصول الخلافية، لا في قواعد الفقه.
وكتاب ابن جزي: ليس فيه من القواعد الفقهية شيء، بل هو يلخص مذهب مالك مع التنبيه على
المذاهب الثلاثة. والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق