في سوق الشيوخ:
______________
كانت الشمس قد بدأت تختبئ خلف جدران البيوت متوارية عن الأفق تارك خلفها لمسة قرمزية تشعرك بالقشعريرة، فها هو النهار يحتضر، وها هي مدينة سوق الشيوخ تشبه الكوفة في زمن ابن زياد.
كنت مبعوثا من قبل هيئة الإشراف الثقافي لمكتب السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) يرافقني بعض الشباب، وعند سيطرة الدخول إلى المدينة - وأنت قادم من مركز مدينة ذي قار - كان هناك ضابط برتبة رائد عرفت من قيافته الرديئة أنه من #ضباط_الدمج وما أن مد عينية داخل السيارة ولاحظ بعض الكتيبات طبعت على أغلفتها صورة للسيد الشهيد حتى جن جنونه، في نفس الوقت كانت هناك عدة عربات من نوع (هامفي) التابعة لقوات الاحتلال الأمريكي تمر من الجانب الآخر للشارع دون أن تثير حفيظة الضابط وأفراد سيطرته الذين انشغلوا بإفراغ الطريق لتسهيل مرور القوات الصديقة..!!
ذكرني حالهم وهم يبتسمون بوجوه جنود الاحتلال فرحين بتشريفه لهم بمروره من سيطرتهم بكلب كان لصديق لي في أحد أرياف إيران، كان ذلك الكلب كلما رآني مقبلا من بعيد بدأ حفلة نباح ترحيبية وإما ذيله فلن يتوقف عن الاهتزاز.
المهم.. ما إن فرغوا من الرتل الأمريكي حتى عاد الضابط ينبح - قصدي يصرخ - بوجوهنا وطلب من السائق إن يركن السيارة على جانب الطريق للتفتيش، بعد أن عرف إننا قادمون من مكتب السيد الشهيد في النجف، إلا إنني وجدت أن أردعه فلو تعاملت معة باللين والأخلاق لانتقل من مرحلة النباح إلى مرحلة العض.
مرت السيارة بعد أن تلقى الضابط درسا في كيفية احترام المواطن العراقي ومساواته على الأقل بالجندي الأمريكي.
وفي مركز المدينة هناك توقفت بنا السيارة بالقرب من مسجد تحولت إحدى قاعاته إلى ركام، وحدثنا الشباب هناك أن هذا الركام عائد إلى القاعة التي كانت تقام فيها صلاة الجمعة، وهي مقر مكتب السيد الشهيد بنفس الوقت، وإن قوات الاحتلال بمساعدة فوج حماية الأهوار التابع لإحدى المنظمات الإسلامية تسللت إلى المكتب ليلا واستطاعت تفخيخه ومن ثم تفجيره.
نصر كبير حققته تلك المنظمة الإسلامية والمجلس الإسلامي الذي تتبع له بمساعدة القوات الصديقة بتفجيرهم المسجد الذي تقام فيه الجمعة في سوق الشيوخ..!!
صلينا المغرب وأخذ أحد الشباب سيارتنا - للتمويه - بينما ركبنا نحن سيارة أخرى أخذتنا عبر طرق ترابية إلى عمق الأهوار حفاظا علينا من الغدر، وعند باب أحد الأكواخ كانت هناك ساحة محاطة بالماء والقصب جلسنا لنتسامر ونتحدث عن الأسباب التي أدت إلى تفجر الأوضاع في ذي قار والأقضية والقصبات التابعة لها، وهنا أجابني شاب عشريني أخبرت فيما بعد أنه يتيم وأن جده لأبيه وأعمامه طردوه بعد أن عجزوا عن ثنيه عن مناصرة السيد مقتدى الصدر (أعزه الله)..!!
قال الشاب: إن هؤلاء يبغضون الإمام المهدي ويعلنون عدائهم له..!!
قلت: من..؟!
قال: قائد الشرطة الميليشياوي والضباط الذين يشاطرونه الولاء لمنظمته الإسلامية.
قلت: كيف..؟!
قال: تصور أنهم يهتفون له:
(هز المهدي وجيشه وياه ** بيوم اتحزم ناجي)...!!
نعم.. هذه هي الحقيقة، فهم يبغظون الإمام المهدي وأنصاره الداعين له، ويوالون أعداءه الأمريكان، ويدافعون عنهم باعتبارهم #قوات_صديقة..!!
بعد إسبوعين من ذلك وبالتحديد في التاسع عشر من نيسان عام ٢٠٠٨ شهاهدت الفيديو الذي يظهر فيه بعض الشباب الذين التقيتهم في سوق الشيوخ وهم يحرقون أحياء، وأجسادهم يمثل بها وتسحل في الشوارع، دون ذنب اقترفوه سوى أنهم ناصروا الصدر وآزروه على مقاومة الاحتلال.
الآن وبعد كل هذه السنين يعلن أعداء المقاومة الذين اضطهدوا أبناءها أنهم هم المقاومة..!!
أما طاغية العصر - المالكي - الذي قاد الهجوم على المقاومة، فقد أصبح قائدا في محور المقاومة..!!
عند الله نحتسب شهداء سوق الشيوخ، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
____________ عبد الجليل النداوي
١٩/ ٤/ ٢٠٢٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق